سورة النساء - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32)}.
التفسير:
فى الآية قبل السابقة، دعا اللّه سبحانه وتعالى إلى صيانة الأموال، وإلى قتل الأهواء، التي تنزع بالنّاس إلى أكل أموال بعضهم بعضا بالباطل.
وإذ كان المال- كما أشرنا إلى ذلك من قبل- هو القوة المحركة، للناس، كما أنه هو القوة الدافعة إلى عدوان بعضهم على بعض، فإن الإسلام قد أولى المال عناية خاصة، وحرسه وحرس الناس، من دواعى الفساد التي تدبّ إليه وإليهم، فينقلب هو إلى نقمة بعد أن كان نعمة، ويتحول الناس إلى وحوش ضاربة، بعد أن كانوا بشرا سويا، أرادهم اللّه لعمران الحياة، وخلافته على هذه الأرض.
وفى هذه الآية وجه آخر من الوجوه التي يكشفها الإسلام للمال، ويكشف منه الداء الذي لو لم يتنبه الناس إليه، لأفسد حياتهم، واغتال أمنهم واستقرارهم.
وهذا الوجه هو تفاوت الناس فيما يقع لأيديهم من مال، هذا التفاوت الذي قد تبعد مسافاته من بين يملك القناطير منه، ومن لا يملك شيئا.. فيكون في الناس الغنىّ الواسع الغنى، الذي يكاد يموت كظّة وتخمة، والفقير الذي يوشك أن يموت جوعا ومسغبة.
ولا شك أن هذا وضع من شأنه أن يثير في النفوس- نفوس الفقراء والمحرومين- مشاعر الحسرة والألم، ونوازع الضغينة والحسد، على أولئك الذين يملكون ولا يعطون، ويموتون تخمة ويضنون بلقيمات تمسك رمق أولئك الذين يموتون جوعا- الأمر الذي إذا استشرى في الجماعة، وتسلط على تفكيرها وشعورها، أثار فيها عواصف الفرقة، التي قد تصل إلى التناحر والقتال! وقد جاء الإسلام إلى الأغنياء بوصاياه التي تجعل من أموالهم التي في أيديهم حقوقا لإخوانهم الفقراء، إن قصّروا عن الوفاء بها كانوا بمعرض من نقمته وبلائه في الدنيا، وعذابه الأليم لهم في الآخرة.. وكان من نقم اللّه عليهم في الدنيا أن يسلط عليهم الفقراء، فيفسدوا حياتهم، ولا يقيموهم فيها على جناح أمن وطمأنينة! ثم جاء الإسلام من جهة أخرى إلى الفقراء، فكانت وصاته لهم ألّا ينفسوا على الأغنياء ما في أيديهم، وألا يحسدوهم على هذا الذي نالوه من حظوظ الدنيا، وأن يروّضوا أنفسهم على الصبر على ما قسم اللّه لهم، بعد أن يعملوا في كل وجه متاح لهم من وجوه العمل، وأن يأخذا بما دعا اللّه عباده إليه من السّعي والجدّ لتحصيل الرزق: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [15 الملك].
فإذا أخذ الأغنياء بما وصّاهم اللّه به من رعاية حقوق الفقراء، وأخذ الفقراء، بما دعاهم اللّه إليه من غض أبصارهم عما في أيدى غيرهم، مما لم تنله أيديهم- إذا أخذ هؤلاء وهؤلاء بما وصاهم اللّه به، التقوا جميعا لقاء الأخوة، لقاء المودة والحبّ، وصلح أمرهم جميعا، فلا يذهب الغنىّ بغناه، ولا يستبدّ به، ولا ينطوى الفقير مع فقره، ويموت به! هذا هو الوجه الذي نفهم عليه قوله تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ}.
وإن كان للآية وجوه أخرى كثيرة بعيدة عن جوّ الآية، قد فهمها عليه أكثر المفسرين.
وفى قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} ما يكمل الصورة التي فهمنا عليها صدر الآية.. ففى قول اللّه: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} هذا، دعوة إلى الكسب، وإلى السعى الجادّ في وجوه الرزق. دعوة للرجال وللنساء معا.
فالعمل، والعمل وحده، هو وسيلة الرزق الطبيعية، ومن لا يعمل، فقد تمنّى على اللّه الأمانى، وفرض على الناس أن يعملوا، وهو متدثر بثوب الكسل والخمول، لينال من ثمرة عملهم، ويعيش من عرق جبينهم، وهذا عدوان على المجتمع، كما هو عدوان على نفسه وظلم لها، إذ رضى أن يكون عالة على الناس، وكائنا غريبا يعيش فيهم، كما تعيش الحشرات.. وفى ذلك إهدار لآدميته، وتضييع لكرامته!! وليس أبرّ بالإنسانية، وأرعى لكرامتها، من دعوة الإسلام تلك، إلى العمل والكسب، حتى المرأة، لم يعفها الإسلام من العمل إذا لم يكن من ورائها زوج، أو ولد، أو أخ.. يقوم بمطالبها، ويسد حاجتها.
وفى قوله تعالى: {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} تأكيد للدعوة إلى العمل، والسعى في طلب الرزق، والأخذ بأسبابه من وجوهه المشروعة، فإذا كان ذلك، كان للإنسان أن يسأل اللّه العون والتوفيق، فما الرزق الذي يرزقه العاملون إلّا من فضل اللّه.. أما أن ينصرف الإنسان عن العمل، ولا يأخذ بأسباب الرزق، ثم يدعو اللّه أن يرزقه، فقد ضلّ الطريق إلى اللّه، وقطع بينه وبين ربّه الأسباب.
ولمحة مشرقة نلمحها في قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} وهذه اللمحة تكشف لنا عما في كلمة {نصيب} من معطيات، تملأ القلب جلالا وروعة.
فقد جاءت كلمة {نصيب} مخالفة لما نتوقع في هذا المقام.. حيث يأخذ الإنسان كلّ ما اكسب، لا نصيبا مما اكسب، إذ أنه كسبه كله ليده.
فكيف تجىء كلمة {نصيب} هنا؟ وما حكمة مجيئها؟
والجواب، وهو بعض ما نستلهمه منها.. هو:
أولا: أنه إذا كان العامل يأخذه ليده كل ثمرة عمله، فذلك هو حقّه.
ولكن إذا صار هذا الحق ملكا له، فإن ملكيته له غير خالصة، إذ أن في هذه الثمرة، أو في هذا المال حقوقا للغير.. لذوى القربى، واليتامى، والمساكين وابن السبيل.. ثم قبل هذا كلّه حق اللّه، وهو الزكاة! فما يكسبه المرء من عمله ليس خالصا له، وإنما له نصيب فيه، كما للّه ولعباد اللّه نصيب فيه أيضا، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [24- 25: المعارج] وهذا ما ينبغى أن يقع في شعور صاحب المال، وأن يتصرف في ماله بمقتضى هذا الشعور.. وإلا كان معتديا على حقّ اللّه، وحق عباد اللّه.
وثانيا: أنه إذا أدى صاحب المال حق اللّه وحق الفقراء والمساكين في ما له، كان له الحق في أن ينفرد بنصيبه هو، وأن ينال به ما أحل اللّه من طيبات.
وهذا شعور ينبغى أن يستشعره الفقراء حيال الأغنياء، الذين يؤدون ما في أموالهم من حقوق، وعلى هذا، يجب ألا ينظر الفقراء إلى الأغنياء، وما ينالون من نعم اللّه، نظرة حسد، أو حنق.. وإلا كانوا ظالمين معتدين!! فإن من حق العامل أن يذوق ثمرة عمله، وألا يحول بينه وبينها من لا ثمرة لهم، ممن لا يعملون، واللّه سبحانه يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
وما العلم إلا ثمرة من ثمار العمل.
ذلك هو حكم اللّه في عباده، يأخذهم به في الدنيا، وينزلهم عليه في الآخرة!.


{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33)}.
التفسير:
بيّن اللّه سبحانه وتعالى في الآية السابقة: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} ما للعامل من حق في أن يجنى ثمرة عمله، وأن ينعم بنصيبه منها، بعد أن يؤدى ما للّه وما للعباد عليها من حقوق، وذلك ليستحثّ الذين لا يعملون على العمل، وعلى ألّا ينظروا إلى ما في يد العاملين من ثمرات أعمالهم.
ولم يقف القرآن الكريم عند هذا، من إقرار حق العامل في ثمرة عمله، بل جعل لقرابة هذا العامل، وذوى رحمه، متعلّقا بهذه الثمرة، يرثونها بعد موته.
فهم أولى الناس به، وهو أحرص الناس على نفعهم، وسوق الخير إليهم.
ولهذا جاء قوله تعالى في هذه الآية: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} مقررا هذا الحق للورثة في قريبهم الذي ترك خيرا من بعده.
والمعنى: ولكل من الرجال والنساء الذين أشار إليهم سبحانه وتعالى بقوله: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.
لكل من هؤلاء الرجال والنساء جعلنا لهم موالى- أي ورثة- يرثونهم، فيما خلّفوا وراءهم من مال ومتاع، وهذا ما أشار إليه سبحانه في آيات المواريث أول هذه السورة: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً}.
والمولى يطلق على معان كثيرة، منها: القريب، والناصر، والمعين، والسيد، والعبد.. والمراد به هنا أقارب المرء وعصبته الذين يرثونه.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} إشارة إلى من تربطهم بالمرء رابطة غير رابطة القرابة والدم، ممن يتبناهم الإنسان، أو يدخلهم في حياته مدخل الأهل والأقارب، إذ شدّ يمينه بهم، واحتسبهم بعضا منه في خيره وشرّه- هؤلاء قد يرون أن لهم حقّا فيما ترك المورّث، الذي كانوا منه، وكان منهم، وقد جاء صدر الآية الكريمة قاصرا ما ترك المورّث على قرابته، وهم مواليه:
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} وفى هذا ما يصدم مشاعرهم، ويفجعهم في آمالهم، التي كانوا يعيشون بها مع هذا الذي عقدت أيمانهم معه.
ولهذا جاء قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} وما نصيبهم وقد ذهب الورثة بالميراث كلّه؟
وإنهم لا بد أن يكون لهم نصيب فيما ترك صاحبهم.. وتقدير هذا النصيب متروك للورثة، يؤدونه لهم، على أي وجه، وعلى أية صورة! ليكن مالا يطيبون به خاطرهم.
أو ليكن مودّة، وحبّا، ومخالطة.
أو ليكن مناصرة، ومعاونة في الشدائد.
أو غير ذلك مما كان الميت يعاشرهم عليه ويؤثرهم به.
ولهذا جاء قوله تعالى: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} خطابا للموالى، الذي ورثوا مال مورثهم، بأن يعطوا هؤلاء الذين أضافهم مورّثهم إليه- شيئا مما كان يعود عليهم به هذا المورث، من مال، أو مودة، أو نحو هذا.
ولنا في هذا المقام أن نستحضر قوله تعالى: {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} [8: النساء]، ففى هذا تطييب لتلك النفوس التي حضرت القسمة.. وهؤلاء الذين خالطهم المورث واختلط بهم، هم ممن حضروا القسمة، فإن لم يحسبوا في حساب الورثة، فليكونوا في حساب ذوى القربى ممن لا ميراث لهم.
هذا ما أجمع عليه المفسّرون في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ} ولكن الفهم الذي أستريح إليه، هو أن المراد بالذين عقدت أيمانكم، هم الأزواج والزوجات، إذ كان لهم نصيب مفروض في الميراث، مثل ما فرض لموالى الإنسان وعصبته، ولكن كلمة الموالي لم تشملهن، فكان قوله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} بيانا لحقّ الزوجين في ميراث كل منهما لصاحبه.. وليس هناك عقد يمين أوثق من العقد الذي عقده اللّه بين الزوجين.


{الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35)}.
التفسير:
كما فضل اللّه النّاس بعضهم على بعض، لحكمة أرادها وتقدير قدّره، كذلك فضل اللّه الرجال على النساء.. إذ كانوا فرعى شجرة الإنسانية.
فرع الذكورة، وفرع الأنوثة.
وهذا الفضل لا يعطى للرجال حقّ التسلط والقهر للنساه.. فهما معا يكملان الكائن الإنسانى الصالح للحياة، وواحد منهما لا حياة له، ولا بقاء، في هذه الدنيا.. فكل منهما يناظر الآخر ويكمله.. وهذا لا يمنع من أن يكون أحدهما أولا، والآخر ثانيا، كما كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى.. ولو كانا على درجة واحدة، لكانا كائنا واحدا.. ذكرا، أو أنثى! وهذا- كما قلنا- ما لا تقوم عليه حياة الكائنات الحية، ومنها- بل ومن أولها- الإنسان! وليس بعيب المرأة أو يذرى من قدرها أن تكون العدد الثاني في العددين:
واحد، وواحد، ليكون مجموعهما اثنين، كما يقول سبحانه وتعالى: {وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً} [8: النبأ].
فقوامة الرجل على المرأة في قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} هى قوامة وظيفية، يقتضيها نظام الحياة، الذي جمع بينهما، ولو لم يكن للرجل حقّ القوامة، للزم أن يكون للمرأة هذا الحق.. إذ أنه لا بد أن يكون أحدهما أولا والآخر ثانيا.
وقوله تعالى: {بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} يكشف عن المزايا التي من أجلها كان الرجل قوّاما على المرأة، ولم تكن المرأة قوّامه على الرجل.
فقد خصّ اللّه الرجل بمزايا تجعله أقدر على قيادة الركب الذي ينتظمه والمرأة معا، وينتظم معهما ما يثمران من بنين وبنات.
وهذه المزايا التي أعطت الرجل حقّ القوامة على المرأة- لم تقررها الشريعة إلا بعد أن نضجت في بوتقة التجربة الإنسانية، على مدى الحياة التي اجتمع فيها الرجل والمرأة، منذ كان الناس، وكان الرجال والنساء! وما قررته الشريعة ليس إلا اعترافا بواقع، وتصويرا لأمر مشهود، وليس إنشاء لوضع جديد بين الرجل والمرأة.
فالرجل أقوى من المرأة عموما، وأقدر على السعى في وجوه الحياة، وكفالة حاجات المرأة والأولاد.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} فالرجل- في أي زمان ومكان- مطالب عرفا ووضعا وشرعا بالإنفاق على زوجه وولده.
فإذا أخلت المرأة للرجل مكان القوامة، وأسلمته زمامها، فما ذلك إلا لأن يد الرجل أقوى على الإمساك بهذا الزمام، وأقدر على الوفاء بما تقتضيه تلك القوامة من أعباء! وكما أن بين الرجال والنساء درجة في التفاضل، كذلك بين النساء درجة أو درجات في الفضل، فليس كل النساء على سواء، في الخلق وحسن العشرة.
{فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ}.
فهذا هو الوجه الطيب المشرق من النساء.. صالحات، قانتات، حافظات للغيب بما حفظ اللّه.. وهذا ما يشير إليه النبي الكريم في قوله: «خير النساء امرأت إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك».
وهناك الوجه الآخر من النساء.. مكفهرّ.. غائم، يرمى بالرعد والبرق.
ومثل هذا الجوّ المضطرب، يفسد حياة الرجل، وحياة الأسرة كلها معه.
ومن حكمة الحكيم العليم ألّا يعجل بالعقوبة حتى يأخذ صاحبها بالنصح، وبالوعد، وبالوعيد، فإن ارعوى الغاوىء عن غيّه، ورجع الضالّ عن ضلاله، فلنفسه ابتغى الخير، وليده جمع ما جمع منه.
ولهذا دعا اللّه سبحانه وتعالى الرجال الذين يبتلون بالمرأة المعوجّة، ألا يعجلوا بالخلاص منها، فقد يكون داؤها عارضا، وقد يكون في بعض الدواء ما يذهب بدائها.
{وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}.
إنها مراحل ثلاث، يقطعها الرجل مع المرأة التي لا يتّسق خطوها مع خطوه، ولا ينتظم شأنها مع شأنه.
العظة أولا، وإسداء النصح، بالكلمة اللينة.. وقد تقبل المرأة هذا الدواء، ويكون فيه شفاؤها، وإصلاح أمرها.. وهذا علاج نفسىّ.
ثم تجىء المرحلة الثانية لمن لم تنفعها الموعظة، ولم تؤثّر فيها الكلمة الطيبة.
وهى الهجر في المضاجع!.
وهذا عقاب بدني ونفسى معا.
فإذا كان في ذلك شفاؤها من دائها، عاد إليها الزوج بصفحه ومودته ورحمته.
وإلا كانت المرحلة الثالثة.. وهى الضرب! وهو عقاب بدني خالص.
وينبغى أن يكون هذا الضرب أولا وأخيرا تحت شعور التأديب والإصلاح، كما يؤدّب الأب صغاره.. فإن مال إلى التشفّي والانتقام كان عدوانا {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
وفى قوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} رسم للطريق القويم لهذه المرحلة، وضبط لحدودها.
وفى قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً} تذكير للرجال بما للّه من سلطان، في علوّه وكبريائه، وأنهم إذا بسطوا أيديهم بالبغي ومجاوزة الحدّ، كانت يد اللّه مبسوطة عليهم بالعقاب والانتقام!
وفى قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها}.
هو بيان للمرحلة الرابعة، التي يقطعها الزوج مع الزوجة المستعصية على العلاج.
وذلك أنه إذا انتهت المراحل الثلاث، دون أن ينصلح أمر المرأة، أصبح الأمر بين الزوجين مؤذنا بالفراق، الذي يحسم ما نشأ بينهما من اختلاف وفرقة.
ويجىء التدبير السماوي قبل عملية البتر هذه، فيستدعى اثنين من أهل الخير، أحدهما من قبل الزوجة، والآخر من جهة الزوج، ليكون لهما نظر وراء نظر كل من المرأة والرجل، وليدرسا أسباب الخلاف بينهما، وليتعرفا على موطن الداء لهذا الخلاف.. وقد يريان الداء، ويجدان له الدواء.. وبهذا يعدل عن عملية البتر هذه، ويعود للحياة الزوجية صفاؤها وإشراقها.. وإلا كان البتر هو الدواء لهذا الداء.
وفى قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما} إيقاظ لمشاعر الخير والإحسان في الحكمين، ليكونا رسولى سلام، في هذه السفارة التي ندبهما اللّه سبحانه وتعالى لها.. فإنهما إن ابتغيا الخير، وأرادا الإصلاح، كان لهما من اللّه عون وتوفيق، فيلتقيان على ما يصلح أمر الزوجين ويمسك عليهما ذلك الرباط الوثيق الذي وثقه اللّه بينهما.
وانظر في رعاية اللّه سبحانه وتعالى لرباط الزوجية، وتقديره لها.. وكيف جاءت الشريعة الإسلامية بأكثر من دواء، لما يدبّ بين الزوجين من خلاف.. حتى في الأحوال التي يستفحل فيها الداء، ويكون اليأس أقرب من الأمل في شفائه! وانظر كيف يقع الطلاق بعد هذه المرحلة الطويلة، من احتمال الداء واستنفاد كل وسائل العلاج.. إنه لم يقع إلا حين لم يكن من وقوعه بدّ، وإلا حين كانت الحياة الزوجية بعد هذا نقمة وبلاء، على الرجل والمرأة معا.
فالذين يحسمون الحياة الزوجية ويقطعون حبلها، لأول بادرة، وبكلمة واحدة.. لم يلتزموا شرع اللّه، ولم يأخذوا به.. بل هم معتدون آثمون.
والذين يأخذون على الإسلام هذه الظواهر المريضة التي يرونها فيما يقع من صور الطلاق، على هذا الوجه المجافى للشرع.. ظلمة مفترون!

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11